سقوط الأسد- سوريا تتنفس الصعداء وتبدأ رحلة التعافي والأمل
المؤلف: رامي الخليفة العلي10.29.2025

أخيراً هوى الجبّار! بسقوطه المدوّي، تهاوت أسوار الظلم التي رزحت تحتها سوريا لعقود طوال، لتشرق شمس الحرية في سماء وطنٍ ما زالت أرضه تئنّ من وطأة الدماء الزكية التي سفكت ظلماً. إنّها حقبة طويلة مرّت كأنّها دهر، من العذابات المتواصلة التي كابدها الشعب السوري تحت حكم طاغية لم يترك وسيلة إلّا واستخدمها لسحق كرامتهم الإنسانية، حتّى تحوّل الوطن إلى أطلال دامية، تحمل في طياتها ندوباً من الدماء والدموع التي لا تجف. في مشهد مفجع، كُتب بأحرفٍ من دماء الأبرياء، استنجد الأسد بكلّ من يستطيع حمل السلاح من أقصى البقاع و أدناها، وجلب معه المرتزقة وعديمي الضمير ليكونوا أداة قذرة لقتل أبناء شعبه، الأمر الذي أدى إلى تمزيق وحدة المجتمع و تدمير أواصر المحبة والإنسانية بين الناس، بينما هو يتشبث بيأس بكرسي حكم بات أقرب إلى رماد وطنٍ محترق. لقد قام ببيع أرض سوريا للأجانب، وجوّع مدنها وقراها، كيف لنا أن ننسى ما حدث في داريا والمعضمية ومضايا، حيث انحدر الناس إلى أكل لحوم الكلاب والجيف في مشهد مؤلم لم يشهده التاريخ الحديث إلّا نادراً؟ وعلى الرغم من كلّ هذا الخراب والدمار، وقف الأسد على أنقاض سوريا المدمرة ليعلن انتصاره الموهوم، وكأنّ الموت والدمار يمكن أن يكونا يوماً ما تاجاً يزين رأس حاكم! لقد قتل عشرات الآلاف، وجرح مئات الآلاف، وهجّر الملايين داخل البلاد وخارجها، لكن في النهاية، لم يستطع الإفلات من قبضة العدالة ولا من حكم التاريخ. لقد أظهر الأسد من خلال سلوكه الشائن طيلة سنوات حكمه استعداداً لتقديم أغلى التنازلات للقوى الخارجية. ومع ذلك، لم يمتلك أدنى قدر من الشجاعة لإنهاء معاناة المعتقلين الأبرياء الذين تفنّن في تعذيبهم حتّى الموت. والأدهى من ذلك، أنّه قرر الانتقام من بقية السوريين وذلك بمنعهم من الحصول على أساسيات الحياة الضرورية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر المدقع، والذي تجاوزت نسبته النصف، في مشهد مأساوي لا يحتمله عقل ولا ضمير. لكنّ الأسد أخطأ الحساب، فقد ظنّ أنّ وحشيّته الموروثة عن والده هي ما ضمن له البقاء في السلطة، وتجاهل أنّ بقاءه كان مجرّد رهينة لمعادلات دولية وإقليمية. وعندما تغيّرت هذه المعادلات بفعل زلزال غزة، انقلبت الطاولة عليه، فقد تحرّكت الأقدار ليصبح سقوطه حقيقة واقعة، ولتتنفس سوريا الصعداء بعد عقود من الظلام الدامس. عندما كانت المعادلات الإقليمية والدولية تفرض وجود الأسد، تحرّك العرب بقيادة المملكة العربية السعودية للتخفيف من آلام الشعب السوري، حيث قدّمت الدول العربية منهج «الخطوة خطوة» لوقف الميليشيات التي أذاقت السوريين ألوان العذاب، وتطبيق القرار 2254 وما يترتّب عليه من عملية انتقال سياسي وعودة المهجرين واللاجئين. كانت هذه المحاولة الأخيرة التي تجاهلها الأسد، فكان مصيره الهروب، بينما تطارده لعنات شعبه والتاريخ. في هذه اللحظات التاريخية والعاطفية نستذكر المملكة العربية السعودية التي احتضنت مئات الآلاف من السوريين وعائلاتهم وكانت سنداً وعوناً لقضية السوريين في الخفاء والعلن. وتبقى في القلب حسرة أن وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، ليس بيننا اليوم، وهو الذي دافع ببسالة عن السوريين وقضيتهم في كل محفل دولي.
سقط الأسد، لكنّ التحدي الحقيقي يبدأ الآن. فإعادة البناء تتطلّب جهوداً دولية ومحلية صادقة، وتكريس العدالة والمصالحة الوطنية هو السبيل الوحيد لجبر الخواطر وتحقيق الاستقرار المنشود. فهل تستعيد سوريا نضارتها وجمالها؟ وهل تلتئم جراحها العميقة؟ وهل يعود إليها وجهها المشرق الذي خطفته عقود الظلام؟ الأسئلة كثيرة ومتشعبة، لكنّ الجواب الأكيد هو أنّ سقوط الطاغية هو الخطوة الأولى في طريق طويل وشاق نحو استعادة كرامة وطن وأحلام شعب عانى طويلاً.
